- السيرة / ٠1السيرة النبوية / ٠3الشمائل المحمدية
- /
- ٠1الشمائل المحمدية 1995م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
صبره صلى الله عليه وسلم على أذى المشركين:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الرابع عشر من دروس شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى صبره صلى الله عليه وسلم على أذى المشركين.
تمهيد:
أيها الإخوة الكرام؛ لأن الله سبحانه وتعالى شاء أن تكون الدنيا دار ابتلاء، حيث قال تعالى:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾
ولقوله تعالى:
﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾
ولقوله تعالى:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾
لأن مشيئة الله جلَّ جلاله شاءت أن تكون الدنيا دار ابتلاء، لذلك لا بدَّ أن يمتحن الإنسان فيما يكره، لا فيما يحب، أنت إذا سبحت في نهرٍ، وقد اتجهت مع حركة النهر، ترى يسراً وراحةً في الحركة، لكنك إذا أردت أن تسبح على عكس اتجاه النهر تحتاج إلى جهد كبير، فإذا كان الهدف على عكس اتجاه التيار، وكنت صادقاً في الوصول إلى هذا الهدف، تأخذ الطريق المعاكس لاتجاه النهر، عندها تبذل جهداً كبيراً.
أردت من هذه المقدمة ومن هذا المثل، أنك إذا أردت الآخرة، لو أن الآخرة كانت مُيَسَّرةً مع الدنيا، مع الشهوات، مع المصالح، لا يتضح من هو الصادق ولا من هو الكاذب، ولكن حينما تكون الآخرة، أو حينما تتعارض الآخرة مع مصالح الدنيا عندئذٍ يظهر الصادق، ويظهر المخلص، ويمتحن الإنسان.
إذاً لن يصل الإنسان إلى الجنة إلا إذا امتحن، والامتحان ليس فيما يحبه الإنسان، في الأعم الأغلب فيما لا يحبه، الإمام الشافعي سُئل: نسأل الله التمكين أم الابتلاء، فقال رضي الله عنه: " لن تمكن قبل أن تبتلى".
الآن النبي عليه الصلاة والسلام لو أن حياته كانت محفوفةً بالمسرَّات، لو أن الله سبحانه وتعالى ما خلق له أعداءً، ولا كفاراً، ولا من عارضه، لو أنه لم يهاجر إلى المدينة، لم يذهب إلى الطائف، لم يأتمر عليه كفار قريش، وسارت الدعوة هكذا بيُسر، فأين الامتحان ؟ كيف يكون النبي قدوةً لمن بعده من الدعاة إلى الله عز وجل ؟ لذلك حياة النبي كانت قدوةً، وكانت مثلاً، وكانت أسوةً، فلا بدَّ من أن يسير النبي في طريقٍ صعب، ليكون قدوةً لمن بعدَه، ولأن أساس الامتحان يقتضي ذلك، فلذلك قال تعالى:
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾
أي أنك كمؤمن نحن جميعاً نسأل الله العافية، نسأل الله التوفيق، نسأل الله البَحبوحة، اليُسر، الصحة، ولكن يجب أن توطِّن نفسك على أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يمتحنك، فلابدَّ أن تهيِّئ نفسك لهذا الامتحان، إذا أردت أن تمتحن مركبة، هل تمتحنها في الطريق النازلة أم في الطريق الصاعدة ؟ لا شك أنك تمتحنها في الطريق الصاعدة.
روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ))
إذا خاف الإنسان، وكان في ظرف عصيب وخاف، والخوف من طبيعة البشر، فله في النبي عليه الصلاة والسلام أسوة، النبي خاف، فخرج منها خائفاً، أن تخاف من قويٍ، ظالمٍ، غاشمٍ، ليس هذا ضعفاً فيك، ولا نقصاً فيك، كمالك، النبي عليه الصلاة والسلام وهو رسول الله، وهو نبي الله، وهو المكرَّم عند الله، وهو سيِّد الخلق وحبيب الحق، أصابه خوف، العبرة أن تكون في طاعة الله، أما إذا خفت لا يوجد مانع، تمتحن، وقد تنجح، وقد ترقى، فالإنسان ينبغي أن يحرص على شيءٍ واحد، ينبغي أن يحرص على أن يجده الله حيث أمره وأن يفتقده حيث نهاه، هذا الذي ينبغي أن تحرص عليه، أما أن تخاف، إذا خفت فهذا لا يقدح في مكانتك، ولا في كمالك، أما أن تفتقر، النبي كان أحياناً يدخل بيته ولا يجد طعاما، فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ:
(( دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ))
أن تفتقر ليس هذا عيباً، أن تخاف ليس هذا عيباً، أن تؤذى ليس هذا عيباً، لك في النبي عليه الصلاة والسلام أسوةٌ حسنة،
((لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ))
أما إذا هرب الإنسان بضاعة وخاف، فهل هذه في الله؟ لا ليست في الله، لأنه مهَرِّب، هذا الخوف لا علاقة له بالدين، إذا الإنسان خالف النظام، خالف القوانين، والعقاب شديد جداً، وخاف، فهذا خوفٌ متعلقٌ بالدنيا، نتحدث نحن هنا عن الخوف في الله.
((لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ))
أي لأنك مؤمنٌ تخاف، لأنك تقيم أمر الله تخاف، أحياناً يكون هذا.
﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)﴾
((لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ))
النبي عليه الصلاة والسلام يبيِّن ما أصابه من خوف، وما أصابه من أذى. على كلٍ بونٌ شاسع بين المسلمين المتأخِّرين، وبين المسلمين السابقين، المسلمون السابقون حملوا الإسلام، وفتحوا البلاد، ووضعوا أرواحهم على أكُفِّهم، وتحملوا من الشدائد ما لا يتحمَّله أحد، والمسلمون اللاحقون المتأخرون أخذوا هذا الإسلام جاهزاً، أخذوه مُيَسَّراً، كل شيء الآن ميسر ؛ المساجد مفتوحة، دروس العلم قائمة، لك أن تقرأ القرآن، المصاحف ميسَّرة، الأشرطة ميسرة، فالأمور اختلفت اختلاف كبير جداً، فلذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ))
لأنهم حملوا الإسلام، وفتحوا البلاد، وجاهدوا، وقتلوا، وعذبوا، وأخرجوا من ديارهم.
لكن والله الذي لا إله إلا هو لو يعلم الإنسان المشاعر أو السكينة التي ينزلها الله على قلب المُبتلى في سبيل الله، فإذا أنت كلفت إنسان تكليف يتحمل مشقة كبيرة، لو قلت له: ضع عندك هذه الحاجة، وكتب من أجلها ضبط تموين، في أمامه محاكمة، أنت تحار كيف تكرمه، كيف تكافئه على عمله ـ مثلاً ـ لكن عندما ربنا عز وجل يكلف إنسان بطاعته، وهذا الإنسان يعيش في مجتمع قاسٍ، ويدفع ثمن طاعته باهظاً، هذا لا يعلم أحدٌ إلا الله كم ينتظره من جزاءٍ من الله تعالى.
النبي والدعوة:
((لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ))
أذىً، على خوف، على جوع، من هو ؟ سيد الخلق وحبيب الحق، وأنت لست مكلف بشيء، مكلف أن تحضر درس علم، مكلف تطبق الإسلام في بيتك، في عملك، لكنك لست مكلفًا أن تبذل جهدًا كبيرًا، وتضحي بمستقبلك، وتضحي بسلامتك، وتضحي بأهلك.
وقد روى الإمام الطبراني عن الحارث بن الحارث قال: قلت لأبي: ما هذه الجماعة ؟ قال: هؤلاء القوم الذين اجتمعوا على صابئٍ لهم... "
نحن الآن إذا ذكرنا النبي عليه الصلاة والسلام نصلي عليه، ونعظمه، ونبجِّله، ونوقِّره، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاء بالدعوة عومل معاملة قاسية، قال:
(( يا أبتِ ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم الذين اجتمعوا على صابئٍ لهم، قال: فنزلنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل))
إخواننا الدعاة الآن يتكلم أمامهم إخوة مؤمنون، طيبون، محبون، مشتاقون، متأدِّبون، مجتمعون، القضية سهلة جداً، أما أنت الآن اجلس مع إنسان مُلحد، ذكي، وقح، متعجرف، متكبِّر، وتفضَّل ناقشه، والله نحت الجبل بإبرة أهون، كما قال الإمام علي مرةً:
والله واللهِ مرتين لحفر بئرين بإبرتين، وكنس يوم الحجاز في يوم عاصفٍ بريشتين، ونقل بحرين ذاخرين إلى أرض الحجاز بمنخلين، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، أهون علي من طلب حاجةٍ من لئيمٍ لوفاء دين.
فنحن نجلس مع إخواننا فالقضية سهلة، في محبة، في مودة، وفي قواسم مشتركة، إذا قلت له: قال الله تعالى، يقول لك: جلَّ جلاله، وإذا قلت: قال عليه الصلاة والسلام. يصلي عليه معك، قضية سهلة جداً، أما اجلس مع إنسان مُلحد، مُنكر، متكبِّر، متعجرف، وقح، غير مؤدب، وناقشه، والله أصعب من نحت الصخر.
(( قال: " فنزلنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل، والإيمان، وهم يردون عليه ويؤذونه...))
إذا تعوَّد الرجل على الإكرام، وشخص ناداه باسمه المفرد، يشعر في داخله بالإهانة، طيب إذا ناداه بالمفرد لا بالجمع، يرى حاله مهينًا، إذا أمسكه من يد وجذبه رأى نفسه صغيرًا، فالنبي الكريم سيد الخلق وحبيب الحق قال:
(( يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل والإيمان، وهم يردون عليه ويؤذونه، حتى انتصف النهار، وانصدع الناس عنه، فأقبلت امرأةٌ وهي تحمل قدحاً ومنديلاً، فتناوله صلى الله عليه وسلم، فشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه فقال: يا بُنيتي خَمِّري عليك، أي غطي، ولا تخافي على أبيكِ قلنا: من هذه ؟ قالوا: هذه زينب بنته صلى الله عليه وسلم ))
ابنته تأتي تمسح عنه العناء، تخفف عنه، تصور المشقة التي تحمَّلها، نحن ماذا فعلنا من أجل الدين ؟ ماذا تحمَّلنا من أجل الإسلام ؟ ماذا بذلنا ؟ لو تمحورنا حول مصالحنا، وحول بيوتنا، وحول أقواتنا، وحول دخلنا، وحول تجارتنا، فلم نعبأ ببقية المسلمين، ولم نعبأ بنشر الدعوة ولم نعبأ بإنصاف المظلوم، ولم نعبأ بمساعدة الفقير، ولم نهتم إلا بأنفسنا، فيكف يتجلى الله علينا ؟ كيف يحبنا ؟ كيف يرفعنا ؟ كيف ينصرنا ؟ كيف يؤيدنا ؟
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قُلْتُ لَهُ:
((مَا أَكْثَرَ - الحقيقة ما أكثرُ، إذا قلت: ما أكثرُ، فما استفهامية، أما ما أكثرَ أصبح التركيب تعجبيًا - مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِهِ قَالَ حَضَرْتُهُمْ وَقَدْ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ سَفَّهَ أَحْلَامَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ أَوْ كَمَا قَالُوا قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ قَالَ فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَقَالَ تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ فَأَخَذَتْ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنْ الْقَوْلِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ انْصَرِفْ رَاشِدًا فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا قَالَ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ إِذْ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ قَالَ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دُونَهُ يَقُولُ وَهُوَ يَبْكِي أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَأَشَدُّ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ))
إذا كان للإنسان كلمات وهو يمشي في الطريق، ورفع طفل صغير صوته، وقلَّده بهذه الكلمات، ألا يشعر أنه خدش، أنه جرح.
أنتم تتطاولون، تسخرون، تكفرون، تستهزؤون، لكم مصيرٌ صعب.
((لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ))
أي القتل ـ فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجلٌ إلا على رأسه طائرٌ واقع، حتى إن أشدهم فيه بإيذائه تكلَّم كلاماً حسناً، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشداً فوالله ما كنت جهولاً.
يبدو أنهم بالغوا بإيذائه، أول مرة، وثاني مرة، والثالثة، في الثالثة اللهم صل عليه غضب، ورأى في تطاولهم هلاكاً لهم فقال:
((لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ))
فمن كان أشد الناس عداوةً أصبح أشدهم ليناً، قال: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشداً، فوالله ما كنت جهولاً، وهذه كما قال سيدنا جعفر: حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته، وصدقه وعفافه، ونسبه ".
فالنبي عليه الصلاة والسلام معصوم قبل البعثة وبعد البعثة، السبب لو أن الله سبحانه وتعالى عصمه بعد البعثة، وله أخطاء قبل البعثة، ثم جاء بهذه الدعوة، لا هم لخصومه إلا أن يعيِّروه بأخطائه التي كانت قبل البعثة، لكن الأنبياء باتفاق علماء التوحيد والعقيدة معصومون قبل النبوة وبعدها، إذا جاء النبي برسالة، خصوم الدين مهما نقَّبوا في سيرته ـ
الآن...
أحياناً يكون رئيس دولة بالدول الغربية، له خصوم، ينقبوا في تاريخه السابق، له علاقة مع فتاة ينشروها بالصحف، له قضية مالية، له ملف خاص، هكذا يفعلون ـ
لكن النبي عليه لصلاة والسلام لو أنه لم يكن معصوماً قبل البعثة، ثم جاء بهذا الدين الذي عاب فيه آلهتهم، وعاب فيه عقيدتهم، ما كان له من همٍ إلا أن ينقبوا في ماضيه عن أخطائه مهما دقَّت، فيكبروها، ويشهروا بها لينالوا منه، ولكنهم مهما نقبوا في سيرته قبل النبوة لا يجدون إلا كمالاً، وعفةً، وأمانةً، واستقامةً، وخلقاً حسناً.
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغدو اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعضٍ:
(( ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا جاهركم محمد بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجلٍ واحد، فأطافوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا ؟ لمَ كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم فيقول عليه الصلاة والسلام: نعم أنا الذي أقول كذا وكذا ".
أحياناً الإنسان من ضعاف الإيمان يتكلم كلمة الحق، فإذا حوسب تجده يقول: لا أنا ما قلت هذا الكلام. لماذا التراجع، الحق حق، والباطل باطل، الحق لا يستحيا منه، الحق لا يخضع للبحث، لا يحتمل المداهنة، قال: نعم أنا الذي أقول ذلك، والله عز وجل قال:
﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)﴾
إذا المؤمن على حساب دينه تكلم كلام لا يرضي الله انتهى.
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)﴾
لو أن المؤمن أو الداعية خشي غير الله، فسكت عن الحق إرضاءً لهذا الذي خشي منه، أو تكلم بالباطل إرضاءً لهذا الذي خشي منه، ماذا بقي من دعوته ؟ انتهى، وسقط، وأصبح في مزبلة التاريخ.
فيقول عليه الصلاة والسلام:
(( نعم أنا الذي أقول ذلك، فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه صلى الله عليه وسلم، وقام أبو بكرٍ رضي الله عنه دونه يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله ؟! ـ ))
فالأمر وصل إلى الشادة، أمسكه رجل بمجامع ثوبه، فقام أبو بكر يدافع عنه بكل طاقته ثم انصرفوا عنه قال:
(( فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً بلغت منه قط))
هذا الموقف، فهو أصعب موقف مر به النبي عليه الصلاة والسلام.
ولقد مات عمه صلى الله عليه وسلم ـ أبو طالب ـ وحينما مات عمه أبو طالب اشتد إيذاء المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقابلوه بأنواع العداوة والشدائد، فتوجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، لعل ثقيفاً يقومون له ردءاً، وعوناً، وأنصاراً على قومه في مكة، لكنه خاب ظنه، وكان بالتجائه إليهم كما يقول المثل: كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإذا بهم يقابلونه أسوأ مقابلة، ويردون عليه أقبح رد، وإنما قصدهم لأنهم كانوا أخواله، ولم يكن بينه وبينهم عداوة، ومع ذلك بالغوا في الكفر، وبالغوا في السخرية، وبالغوا في الإيذاء، وقد جاءهم مشياً بعد أن كفرت قريش برسالته.
روى الشيخان أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا))
أحياناً الله عز وجل يكرم إنسان، يعطيه، يرفع شأنه، يرفع ذكره، يجعل كلامه مقبول، يلقي محبَّته في قلوب الناس، لكن لا تعلم ماذا تحمَّل هذا الإنسان من شدائد، وماذا صبر، وكم صبر على ملمَّات إرضاءً لله عز وجل، فالله عز وجل الميزان عنده دقيق جداً، الله يقدِّر الليل والنهار، البذل، التضيحة، الصبر، تحمل الأذى، تحمل المكاره، تحمل المعارضة، تحمل الفتن، هذا كله عند الله حسابٌ جزيل.
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت::
((هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ))
وحده شريدًا، طريدًا، كفر به، ردت دعوته، سُخِرَ منه، الآن إذا الإنسان له مستوى ثقافي معين، وكان جالس إلى جانبه أقل بكثير، دهماء، لا يطاق هذا جاهل، الله عز وجل أرسل أكمل الخلق، أعلم الخلق لأناس جهلة، لأناس كفرة، مشركون، غلاظ، فظاظ، الأخلاق قاسية جداً، أصعب.
قال:
((لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: ـ طبعاً هنا النبي الكريم يشير إلى الطائف، حينما عرض نفسه على أهل الطائف، وكذبوه، وردوا دعوته، وبالغوا في إيذائه، وأغروا به صبيانهم ـ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا))
وللقصة روايةٌ أخرى رواها أبو نعيم في الدلائل، عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال:
(( ومات أبو طالب، وازداد من البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم شدةً، فعمد إلى ثقيفٍ يرجو أن يؤوه وينصروه، فوجد ثلاثة نفرٍ منهم سادة ثقيف، وهم إخوةٌ، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم البلاء وما انتهك قومه منه ـ الآن اسمعوا ـ فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيءٍ قط ـ أي أنت كذاب ـ وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمةً واحدةً أبداً، لإن كنت رسولاً لأنت أعظم شرفاً وحقاً من أكلمك، وقال الآخر: أيعجز الله أن يرسل غيرك ـ لم يجد غيرك لأن يبعثه ؟! هذا الرد، هذا رد أهل الطائف على دعوة النبي ـ وأفشوا ذلك في ثقيف ـ ما كتموا هذا الخبر، مجيء النبي وعرض نفسه عليهم، أشاعوه في ثقيف ـ واجتمعوا يستهزؤون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقعدوا له على صفين على طريقه، فأخذوا بأيدهم حجارةً، فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجارة، وهم في ذلك يستهزؤون ويسخرون، فلما خلص من صفَّيهم وقدماه تسيلان بالدماء، عمد صلى الله عليه وسلم إلى حائطٍ من كرومهم، فأتى ظل حبلةٍ من الكَرم، فجلس في أصلها مكروباً موجعاً تسيل قدماه بالدماء))
وذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، أنه لما توفي أبو طالب، خرج النبي صلى الله عليه وسلم ماشياً إلى الطائف فدعاهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، فأتى ظل شجرةٍ من عنبٍ فصلى ركعتين وقال:
((اللهم إن أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين، إلى من تكلني، إلى عدوٍ بعيدٍ يتجهمني، أم إلى قريبٍ ملَّكته أمري ))
وفي روايةٍ:
((إن لم يكن سخطٌ ))
وفي روايةٍ:
((إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السماوات والأرض، وأشرقت له الظُلمات، وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك، أو أن يحل بي سخطك وفي روايةٍ: أن يحل علي غضبك، أو أن ينزل علي سخطك ـ ولك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك))
فالمصائب تأتي على الإنسان أحياناً فتضعضع الحب، المصائب تضعضع الثقة، هل هناك من مصيبةٍ أبلغ من هذه المصيبة ؟ هذا هو النبي عليه الصلاة والسلام، أليس لنا به أسوةٌ حسنة، أقول لكم: ليسأل الإنسان نفسه ماذا قدمت لهذا الدين ؟ الأمور ميسَّرة جداً، قدمت شيء من مالك ؟ قدمت شيء من علمك ؟ قدمت شيء من وقتك ؟ دعيت إلى الله عز وجل ؟ ماذا قدمت ؟
يوم القيامة إذا وقف الخلائق أمام الله عز وجل، كل إنسان معه عمل طيب، معه عمل جليل، معه عمل نفيس، فألا يخجل الإنسان أن لا يكون له عمل، ماذا عملت ؟ أنا أرجو الله سبحانه وتعالى أن تسأل نفسك كل يوم هذا السؤال: ماذا سأقدم من عملٍ إلى الله عز وجل حينما ألقاه.
الخلاصة:
أيها الإخوة الكرام؛ هذه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها مختارة على محورٍ واحد ؛ محور صبره صلى الله عليه وسلم، فأحياناً الإنسان يكون دخله قليل، قد يكون زوجته، قد يكون بيته صغير، قد يكون في متاعب بعمله، متاعب بصحته، متاعب مع أولاده، لو وازن هذه المصائب التي يراها كبيرةً كبيرة، مع ما أصاب النبي عليه الصلاة والسلام من مصائب ليست بشيء، وكل شيء بثمنه، فالمؤمن الكامل يوطِّن نفسه على الابتلاء.
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قُلْتُ:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ))
والمؤمن لابد من مرحلةٍ يعالج بها، ولابد من مرحلةٍ يبتلى بها، ولابد من مرحلةٍ مديدة يكرَّم بها، أنت بين ابتلاءٍ ومعالجةٍ وتكريم.
* * * * *
عدله صلى الله عليه وسلم:
وننتقل إلى عدله صلى الله عليه وسلم، كان عليه الصلاة والسلام أعدل خلق الله تعالى في حقوق الله تعالى، وفي حقوق عباد الله تعالى، قوَّاماً بالقسط، أكثر الناس، يموت الأب، الأولاد الأقوياء يأخذون كل الميراث، البنات ليس لهم شيء، متزوجة، ساكنة مع زوجها، اغتصاب، فليس هناك وقوف عند الحقوق، يصلي، وعليه حقوق، يصوم، وعليه ذمم، يحج، ويغتصب محل تجاري، عمل على شريكه مقلب جعله بالخارج، فمثل هذه النماذج لا قيمة لها عند الله، لا قيمة لها عند الله أبداً ما لم تؤدي الحقوق، أداء الحقوق مقدمٌ على كل أنواع العبادات، لا الحج مقبول.
فالنبي الكريم هل هناك أبلغ ممن استشهاد في سبيل الله ؟ فهذا أعلى عمل على الإطلاق، ما قدم ماله، قدم روحه، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يسأل أهل الشهيد: أعَليه دين ؟ فإن قالوا: عليه دين، لا يصلي عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ))
شهيد لكن كل شيء بحسابه، إخواننا الكرام حقوق العباد مبنيةٌ على المشاححة، وحقوق الله مبنيةٌ على المسامحة، فترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد الإسلام، فالبطولة أن تؤدي الحقوق، كان عليه الصلاة والسلام أعدل خلق الله تعالى في حقوق الله تعالى، وفي حقوق عباد الله تعالى، قوَّاماً بالقسط، منتصراً للحق، حيث كان الحق، مع القوي أو مع الضعيف، مع الغني أو مع الفقير، فالناس من ضعف نفوسهم يجاملوا الغني، إذا احتكم لك غني وفقير، وأنت لا تشعر مع الغني، حكمنا لك ـ أعوذ بالله ـ مع القوي والضعيف، مع القوي مع الغني دائماً، هو كان مع الحق مع القوي أو مع الضعيف، مع الغني أو مع الفقير، فهو كان مع الحق، مع القوي أو مع الضعيف، مع الغني أو مع الفقير، مع الكبير أو مع الصغير، مع الرجل أو مع المرأة، أهل الفتاة مع ابنتهم، ابنتهم على حق دائماً، ولا يتنازل الأب يسأل الصهر: ماذا فعلت معك ابنتي ؟ يأخذ من ابنته الكلام وانتهى الأمر، أخذ من ابنته كل شيء، انحياز أعمى، ظلم، عدل ساعةٍ أفضل عند الله من أن تعبد الله ثمانين عاماً، عدل ساعة، أن تعدل بين ابنتك وزوجها، الحق على ابنتك، قل لها: الحق عليكِ. محاباة، أهل الزوج مع ابنهم ولو كان وحشًا، وأهل الزوجة مع ابنتهم ولو كانت ابنتهم ماكرة وخادعة.
مع القوي أو الضعيف، مع الغني أو الفقير، مع الكبير أو الصغير، مع الرجل أو المرأة، مع الحُر أو العبد.
روى الشيخان واللفظ للبخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
((أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))
المجتمع الراقي المبادئ كبيرة جداً، والأشخاص صغيرون جداً، المجتمع المتخلف المبادئ صغيرة والأشخاص كبيرون، أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟ فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله ـ لا أعرف ـ فلما كان العشي قام صلى الله عليه وسلم خطيباً، فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال:
((إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))
ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، وحسنت توبتها بعد ذلك، وتزوجت، وقالت عائشة عنها: أنها كانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".
هذا مجتمع العدل، لا يوجد فيه تفاوف، بدأ بابنته صلى الله عليه وسلم.
((وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))
يقولون عن قاضٍ طرق بابه، فسأل غلامه: من الطارق ؟ قال رجلٌ قدم لك هذا الطبق من الرطب، وكان هذا القاضي معروفاً في المدينة بحبه للرطب في بواكيرها، فقال القاضي لغلامه: صف لي هذا الرجل، وصفه له، فعرف هذا القاضي أن هذا الرجل أحد الخصوم عنده، فرد له الطبق، ولم يأخذه منه، بعد حين رفع إلى الخليفة طلباً بإعفائه من منصبه، فقل الخليفة له: لماذا ؟ قال والله جاءني متخاصمان، بعث إلي أحدهما بطبقٍ من الرطب في بواكيره، فرددته، في اليوم التالي وأنا أفصل بينهما تمنَّيت أن يكون الحق مع الذي قدَّم لي هذا الطبق، هذا مع أني رفضته، فكيف لو قبلته ؟ الطبق رفضه، وتمنى أن يكون الحق مع الذي قدَّم طبق الرطب، قال: فكيف لو قبلته ؟ هكذا النزاهة.
وقد روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ
((أَنَّهُ كَانَ لِيَهُودِيٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ لِي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهَا فَقَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا قَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ تَبْعَثُنَا إِلَى خَيْبَرَ فَأَرْجُو أَنْ تُغْنِمَنَا شَيْئًا فَأَرْجِعُ فَأَقْضِيهِ قَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ ثَلَاثًا لَمْ يُرَاجَعْ فَخَرَجَ بِهِ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى السُّوقِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةٌ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدٍ فَنَزَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَاتَّزَرَ بِهَا وَنَزَعَ الْبُرْدَةَ فَقَالَ اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ الْبُرْدَةَ فَبَاعَهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ الدَّرَاهِمِ فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أي سألت ابن أبي حدرد عن حاله ـ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ هَا دُونَكَ هَذَا بِبُرْدٍ عَلَيْهَا طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ))
كيف كان الحق عظيم ؟! يهودي اشتكى على مسلم له عليه أربعة دراهم، فالنبي قال له: ادفع له حقها، أول مرة والثانية والثالثة، ما كان من هذا الصحابي إلا أن لف نفسه بعمامته وباع ثوبه، ودفع لليهودي حقه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا فَقَالَ لَهُمْ اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَقَالُوا إِنَّا لَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ قَالَ فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَوْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً))
أي أن الله سمح له أن يغلظ له بالقول، ليظهر كمال النبي، ليظهر حلمه، ليظهر عدله ـ حتى هَمَّ به بعض القوم ـ إذا كان الصحابة الكرام مع رسول الله، وواحد تكلم كلمة يمكن يطلعون بروحه من شدة حبهم لهم ـ وكان أعرابياً، فقال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالً ـ اسمع منه، واحد مظلوم، واحد مقهور، واحد فقير له حاجة، اسمع منه، قال: إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ـ ثم قال: أعطوه فطلبوا سنَّه ـ أي الناقة التي في السن التي دفعها للنبي ـ فلم يجدوا إلا سناً فوقها ـ أي أحسن منها ـ فقال عليه الصلاة والسلام: أعطوه، فقال الرجل أوفيتني أوفاك الله تعالى. فقال عليه الصلاة والسلام:
(( فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ، أَوْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً))
أيضاً هذه القصة وقف فيها النبي الموقف الكامل، الأعرابي كان فظاً، غليظاً، تجاوز حده، لكن لقي في صدر النبي السعة والحلم، وكان النبي حريصاً على أداء الحق وزيادة، أعطوه ناقةً في سنٍ فوق السن التي أخذها منه النبي.
وكان صلى الله عليه وسلم يتحاكم إليه قبل البعثة أيضاً الخصوم، لمَ عرفوا من عدله وأمانته، قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: " كان يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل الإسلام ".
وروى ابن أبي شيبة عن أبي رافعٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "
((والله إني لأمينٌ في السماء، أمين في الأرض))
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِي النَّاسَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ قَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ))
وسوف ننتقل في درسٍ قادم إن شاء الله تعالى إلى رحمته صلى الله عليه وسلم.
أرجو الله أن يكون واضحاً عندكم أن هذه الأخلاق، اليوم درسنا في العدل وفي الصبر، فلا تنحز لأحد، لا تنحز لابنتك، لا تنحز لابنك، لا تنحز لشريكك، كن مع الحق، هذه بطولتك، لعل شريك على خطأ، انصره ظالماً بالأخذ على يده، لعل ابنك مخطئ، انصره بالأخذ على يده، لعل ابنتك مخطئة، انصرها بالأخذ على يدها، هذا الإيمان، أما المحاباة، والتعصب، والانحياز الأعمى هذا يسقط الإنسان ولا يرفعه.